lunes, 2 de enero de 2017

فيرناندو دي أغريدا بوريو والاستعراب الإسباني بقلم محمد القاضي





فيرناندو دي أغريدا بوريو والاستعراب الإسباني
 بقلم محمد القاضي
 نوفمبر  2016
خطا الاستعراب الإسباني في العقود الأخيرة خطوات مهمَّة، تتمثل في الاقتراب من الثقافة العربيَّة المعاصرة، ويمثل هذا الاتجاه أساتذة كبار تخصَّصوا في الأدب العربي المعاصر، مثل بيدرو مارتنيث مونتابيث، وكارمن رويث برابو، وفيديريكو أربوس، وفيرناندو دي أغريدا بوريو، وغيرهم.
وابتداء من سنة 1960م ازداد عدد الدراسات العامَّة والتراجم الأدبيَّة بشكل ملحوظ، فكانت هذه المرحلة بداية كسر الدائرة الضيقة للمتخصصين في مجال الاستعراب الإسباني سواء عن طريق دور النشر أو النشر الدوري، فظهرت في الساحة مؤلفات متنوّعة حول الأدب والفكر العربي المعاصر، وأصبحت في متناول القارئ الإسباني، فأحيت بذلك تجربة تعايش ثقافي بين العالم العربي والعالم الناطق باللغة الإسبانيَّة، وكان أول ما لوحظ كما يقول بيدرو مارتينث مونتابيث: "هو الاندهاش أو الاستغراب، لأنَّ الإنسان الإسباني العادي أو القارئ الإسباني العادي لم يكن يتصوَّر أنَّ هناك شيئاً اسمه الأدب العربي المعاصر، فاندهش واستغرب عندما قرأ وعندما عرف هذه الترجمات، ومعظم الإسبان يعتقدون أنَّ اللغة العربيَّة هي لغة ميتة، هي لغة فاتت وتلاشت منذ زمان وغير مستعملة الآن، ولا يعتقدون أنَّ اللغة العربيَّة هي لغة التخاطب والتفاهم، ولغة ما يزال لها مستوى عالمي وثقافي، وطبعاً من هنا استغربوا عندما قرأوا مثلاً ترجمات لتوفيق الحكيم وطه حسين ونزار قباني وعبد الوهاب البياتي ونجيب محفوظ وبعض الأدباء العرب الآخرين...، وبعد تلك القراءة بدأوا يقدّرون هذا الإنتاج الأدبي العربي كما يستحق. إنَّ هذا النتاج الأدبي العربي المعاصر له أهميَّة تاريخيَّة، وأهميَّة فنيَّة، وله رسالة عالميَّة."[1]
فيرناندو دي أغريدا بوريو
واحد من المستعربين النشيطين الذين استهواهم الأدب العربي الحديث، من مواليد مدريد سنة 1945م. تابع دراسته الثانويَّة والجامعيَّة في مسقط رأسه، تخصَّص في علم اللغات الساميَّة بكليَّة الفلسفة والآداب بجامعة كومبلوتنسي، وكان موضوع الإجازة حول (القصة القصيرة الحديثة في المغرب)، بإشراف المستعرب الكبير بيدرو مارتنيث مونتابيث سنة 1969م. وتلك كانت البداية التي أطلَّ من خلالها على عالم الاستعراب بشكل شمولي.
أنجز أطروحته لنيل شهادة الدكتوراة بإشراف الأستاذ نفسه حول (حياة وإنتاج المستعرب الإسباني آنخيل غونتاليث بالينثيا 1889-1949م) سنة 1991م بجامعة الأوتونوما بمدريد صاحب العمل الشهير (تاريخ الفكر الأندلسي) الذي ترجمه الدكتور حسين مؤنس إلى اللغة العربية.
أصبح فيرناندو دي أغريدا بوريو واحداً من الشخصيات الثقافيَّة المعروفة في مجال الاستعراب الإسباني والدراسات العربيَّة، فواصل توثيق علاقته بالعالم العربي بحضوره الثقافي الدائم وكثرة كتاباته ونشاطاته المختلفة ومشاركته في أغلب دورات الثقافة والتعريف بالثقافة العربيَّة تأليفاً وترجمة. عمل أستاذاً للغة العربيَّة في كليَّة الفلسفة والآداب بجامعة كومبلوتنسي ومديراً للمركز الثقافي الإسباني بمدينة فاس (المغرب)، ثم رئيساً لقسم المطبوعات والنشر في (معهد التعاون العربي) التابع لوزارة الخارجيَّة الإسبانيَّة، بعد ذلك عمل في قسم التراث الثقافي بالوكالة الإسبانيَّة للتعاون الدولي. له العديد من المساهمات في الدراسات الأدبيَّة والترجمة من العربيَّة إلى الإسبانيَّة، كما شارك في إعداد مجموعة من الكتب المهمَّة، منها (مختارات من الأدب المغربي المعاصر) و(مختارات من الأدب العراقي المعاصر) و(مختارات من الأدب التونسي المعاصر)، وغيرها من الأعمال. وقد ساعدت خبرته وعلاقته المتعدّدة مع المؤسسات الثقافيَّة والجامعيَّة، الإسبانيَّة والعربيَّة، على إنجاز الكثير من الأعمال التي تهمُّ التواصل الثقافي بين الطرفين. وهو عضو نشيط في جمعية المثقفين الإسبان والمغاربة التي قامت بعدّة أنشطة ولقاءات هنا وهناك بإسبانيا والمغرب من أجل تقريب الهوَّة بين البلدين المتجاورين، كما تربطه علاقات وطيدة بمعظم الأدباء المغاربة لما يكنّه لهم من احترام ومودَّة.
أغريدا والاستعراب الإسباني
من إيجابيات الاستعراب الإسباني أنَّه يتميز بنقط مهمة؛ أهمُّها أنَّه يتعامل مع الثقافة العربيَّة الماضية والحاضرة من قريب، وتلفُّه أيضاً مشاعر أخويَّة، وليس معنى هذا أنَّ جميع المستعربين يتعاملون معها بالأسلوب نفسه. إنَّ تعامل الإسبان مع العرب قائم أيضاً على نوع من المساواة، إضافة إلى ذلك، فإنَّ هناك شعوراً بأنَّ جزءاً من التاريخ والكثير من الهموم إنَّما هي مشتركة بين الطرفين، وهكذا فإنَّ الاستعراب الإسباني بهذا المعنى ـ إلى حدٍّ ما ـ مميَّز.
وهذا ما يؤكّده المستعرب فيرناندو دي أغريدا، فهو يرى "أنَّ للاستعراب الإسباني مميزاته الخاصَّة، نتيجة للتاريخ ولعمل المستعربين أنفسهم، ودائماً كان عدد هذه الدراسات قليلاً، لذلك فقد تطوَّر إنجازه عبر مجموعة شبه عائليَّة، حيث كانت العلاقات الشخصيَّة ذات أهميَّة كبيرة، ويجب التذكير بأنَّ المحيط الذي كانوا يتحركون فيه لم يكن مناسباً جداً لتشجيع تلك الدراسات.
إنَّ أغلب توجُّهه تمركز في تاريخ الأندلس، لهذا فإنَّ مجلة معهد الدراسات العربيَّة بمدريد وغرناطة، الأداة الرئيسة التي استوعبت أعمال المستعربين، إذ ذاك، حملت هذا العنوان، ولدى قراءة صفحاتها يمكن معرفة تاريخ الاستعراب الإسباني وعلاقاته بأمم أخرى، وإنَّ تأثير مديريها ميغيل آسين بلاثيوس وإميليو غارسيا غوميث جدّ مهم."[2]
فقد شكّلت الأندلس تاريخاً وحضارة وفكراً وأدباً منبعاً مهماً لهؤلاء وللمبدعين الإسبان، وخصوصاً عندما ترجم إميليو غارسيا غوميث قصائد لشعراء أندلسيين إلى اللغة الإسبانيَّة. فالموضوعات والعناصر العربيَّة ما يزال لها حضورها الواضح، سواء على مستوى الكم أو الكيف، ذلك أنَّ بعض كبار الأدباء الذين لم يعرفوا اللغة العربيَّة ولم يتخصَّصوا في دراستها قد أدركوا قيمة التراث الأندلسي من خلال قراءتهم للأعمال التي نشرها المستعربون المتخصصون كخوان رامون خيمينث (نوبل 1956م) وغارثيا لوركا الشاعر المشهور والشاعر الأندلسي مانويل ماتشادو والأديب الروائي خوان غويتسولو وفالينتيوغيرهم. ويرى أغريدا أنَّ هناك اليوم بانوراما "أكثر اتساعاً في مشهد الاستعراب الإسباني بالجامعة، نظراً لتأسيس شُعب اللغة العربيَّة في عدد من المدن لم تكن موجودة بها سابقاً.
من قبل كانت تنجز الدراسات العربيَّة علمياً بمدريد وغرناطة وبرشلونة، واليوم توجد في إشبيليا، قاديس، اليكانطي...، لقد اتسع كثيراً حقل الدراسات العربيَّة، ثمَّ إنَّ المؤسسات مثل المعهد المصري أو مؤسسة الثقافة الإسلاميَّة تحاول دفع هذه الأنشطة. إنَّني أعتقد بوجود مستقبل واعد، لكون الثقافة العربيَّة هي ثقافة غنيَّة جداً، ثقافة تمثل كثيراً من مظاهر ماضينا. هناك عدّة أنشطة وإصدارات...إلخ. وهذا هو الفرق عمَّا كان عليه الأمر في بداية دراستي."[3]
فكيف كانت البداية؟
أغريدا والأدب المغربي الحديث

كانت البداية صعبة، لأنَّ الإقبال على دراسة اللغة العربيَّة وآدابها كان شبه مغامرة لضعف الإمكانيات وانعدام دور النشر المهتمة بترجمة الأدب العربي إلا نادراً. "وكنَّا مجموعة جدّ صغيرة وأنشطتها محدودة جداً وغير معروفة في المجتمع. والإسبانيَّة كلغة لم يكن لها نفس الأهمية والانتشار اللذين كانا للإنجليزيَّة والفرنسيَّة"[4]، فاختار المغرب بحكم قربه من إسبانيا لينجز عن أدبائه شهادته الجامعيَّة الأولى (الإجازة) (القصة القصيرة الحديثة في المغرب)، فكانت هذه بداية علاقته بالأدب المغربي. "كان ذلك في أواخر شهر يونيو سنة 1969م عندما قمت بتلك الرحلة التي لا تُنسى لجمع معطيات عن القصة القصيرة المغربيَّة. محمَّلاً بنصائح الأستاذ مارتينيث مونتابيث الذي كان يشرف على بحثي لنيل الإجازة بقسم اللغة العربيَّة في جامعة (كومبلو تنسي)، وبمساعدة ما كان يُعرف بمعهد الثقافة الإسباني ـ العربي. علاقتي المجرَّدة حتى ذلك الحين بموضوع بحثي كانت قد أخذت في التحوُّل إلى شيء حيٍّ ونابض. عندما تمكَّنت من زيارة اتحاد كتَّاب المغرب ومقر جريدة (العلم)...، وكانت مفاجأة هائلة للتعرُّف مباشرة إلى كُتَّابي المفضَّلين (كنت أعرفهم بأسمائهم عبر الكتب)، خصوصاً محمَّد العربي المساري، ومحمد برادة، وعبد المجيد بن جلون، وإدريس الخوري، وعبد الجبار السحيمي، وعبد القادر السميحي، ومحمد اشماعو، وخناتة بنونة، ومحمد زفزاف وغيرهم."[5]. وقد ضمَّن موضوعه هذا بمقدمة جغرافيَّة ـ تاريخيَّة تتصدَّر دراسة التطور الثقافي للمغرب المعاصر، بعد ذلك مباشرة حلَّل القصة المغربيَّة بأشكالها الأكثر تحديداً: القصة القصيرة مع معلومات أساسيَّة عن تسعة عشر كاتباً من الكُتَّاب المغاربة المعاصرين. وممَّا لا حظه هو أنَّ النقطة التي يلتقي حولها كلُّ هؤلاء على اختلاف مشاربهم، هي صلتهم المتينة بالأدب العربي في المشرق وشدَّة إقبالهم عليه، وهي مظهر من مظاهر الحسَّ القومي الذي ظلَّ يصل أطراف الأمَّة العربيَّة ببعضها بعضاً على مرِّ العصور، في حين اختلفت صلتهم بالأدب الإسباني بين القوَّة والاعتدال والارتخاء. فأبناء الشمال المغربي الذي كان محتلاً من طرف الإسبان أيام الحماية على صلة قويَّة بهذا الأدب ويقرأونه في لغته الأصليَّة، أمَّا باقي الأدباء فقد قرأه بعضهم مترجماً، بينما لم يفعل بعضهم الآخر، وبالطبع فإنَّ لغة الأدباء الثانية تتحكم في اختيارهم للرافد الثقافي الآخر. وقد نشرها المعهد الإسباني ـ العربي للثقافة سنة 1975م تحت عنوان: ENCUESTA SOBRE LA LITERATURA MARROQUI ACTUAL وقدَّم لها المستعرب الكبير بيدرو مارتينيث مونتابيث، وممَّا جاء فيها: إنَّ الميزة الأولى لعمل الأستاذ فيرناندو دي أغريدا هي أنَّه يصلح خطأ في النظرة الضيقة للمثقفين الإسبان نحو المغرب الذي حالت ظروف سياسيَّة دون الانفتاح عليه، مع أنَّ الكتابة عن المغرب كان من الواجب أن تكون شيئاً بديهيَّاً في هذا البلد./ المقدمة (ص 5).
بعد ذلك قرَّر أن يتابع عمله في دراسة الأدب والفكر المعاصر في المغرب: "قرَّرتُ أن أتابع العمل في هذا الأدب القريب جداً منَّا، والمجهول للأسف مع ذلك"[6]. فساعده على ذلك عمله بصفته مسؤولاً بالمركز الثقافي الإسباني في مدينة فاس، حيث تمكَّن من الاطلاع عن قرب على الحركة الأدبيَّة والفكريَّة بالمغرب، وأن يترجم ذلك إلى نشاط تعريفي بالأدب والأدباء المغاربة في المنابر الثقافيَّة الإسبانيَّة المختلفة كمجلة (المنارة) AL MENARA التي كان يديرها المستعرب بيدرو مارتينيث مونتابيث في بداية السبعينات من القرن الماضي، فأثمر مجهوده هذا عن إنجاز أنطولوجيَّة حول (الأدب والفكر المغربي المعاصر) LITERATURA Y PENSAMIENTO MARROQUIES CONTEMPORANEOS في خمسمائة وتسعين صفحة من الحجم الكبير سنة 1981م، وصدرت عن المعهد الإسباني العربي للثقافة بمدريد. وهو عمل ضخم استوعب مختلف الأجيال والاتجاهات المعاصرة في الأدب والفكر بالمغرب بشكل متميز. "انتقينا طريقة كرونولوجيَّة في تسلسل الكتاب ضمن الفصول الرئيسيَّة التي تتناول الأجناس الأدبيَّة الأكثر دلالة: المقالة ـ القصة ـ الشعر ـ المسرح. كما كان من الممكن الانتقاء حسب التسلسل الجيلي الذي تسجله المراحل السياسيَّة الهامَّة للتاريخ المغربي إبَّان القرن العشرين، خاصة حول فرض الحماية الإسبانيَّة ـ الفرنسيَّة"[7].
قدَّم للكتاب الدكتور عبد الرحمن الشريف الشركي الأستاذ بجامعة مدريد المستقلة (روائي مغربي) بعرض للملامح الجغرافيَّة والتاريخيَّة والبشريَّة. ثم انتقل إلى الحديث عن الأشكال الأدبيَّة بالمغرب، بداياتها وتطوُّرها. يجمع الكتاب بين دفتيه أعمالاً لثمانية وثمانين أديباً، تراوحت بين المقالة والقصة والشعر والمسرح. إنَّه عمل يخفي من ورائه حقيقة المجهود الذي بذل في جمع المادة واختيارها، ثمَّ ترجمتها إلى اللغة الإسبانيَّة. وقد احتلت الموضوعات المتعلقة بالأواصر العربيَّة الإسبانيَّة، قديمها وحديثها، وبقضايا العرب المصيريَّة، وهموم الإنسان على الصعيد العالمي، مكان الصدارة.
ومهما قيل عن الاستعراب الإسباني ومجهوداته المتمثلة في الأعمال العديدة التي أنجزها المستعربون الإسبان في السنوات الأخيرة والتي فتحت آفاقاً جديدة في التواصل المعرفي بين الإسبان والعرب، فإنَّه يجب كما يقول أغريدا: "إعطاء الأهميَّة المستحقة للمستعربين الإسبان الذين تمكَّنوا من معرفة تلك الثقافة، وتقديرهم كونهم استطاعوا بواسطة وسائل يسيرة جداً أن يحققوا عدَّة أشياء"[8].

لائحة الإحالات والمراجع:
ـ ندوة الموقف الأدبي التي عقدت معه في العدد: 122 /يونيو 1981م.
ـ مقدمة الكتاب بالإسبانيَّة.
ـ حوار معه في صحيفة (العلم الثقافي) عدد: 21/5/1971م.
ـ صحيفة (العلم الثقافي) عدد: 11/9/1994م.
ـ حوار معه في صحيفة (العلم الثقافي) عدد: 15/3/2003م.


[1] انظر ندوة الموقف الأدبي التي عقدت معه في العدد: 122 / يونيو 1981م، ص 104
[2] انظر حواراً معه في صحيفة (العلم الثقافي) عدد: 15/3/2003م، ص 12
[3] المرجع نفسه.
[4] المرجع نفسه.
[5] انظر صحيفة (العلم الثقافي) عدد: 11/9/1994م، ص 9
[6] انظر حواراً معه في صحيفة (العلم الثقافي) عدد: 21/5/1971م، ص 5
[7] انظر مقدمة الكتاب بالإسبانيَّة.
[8] انظر حواراً معه في صحيفة (العلم الثقافي) عدد: 15/3/2003م، ص 12

البحث في الوسم
http://www.mominoun.com/articles/%D9%81%D9%8A%D8%B1%D9%86%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%88-%D8%AF%D9%8A-%D8%A3%D8%BA%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%A7-%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%88-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-4541