لغة ثيرفانتيس تصارع
طواحين الحضور في المغرب
أدب مغربي جديد وأصيل سيظهر بين أبناء الجالية المغربية المهاجرة في أسبانيا،
الذين سيكونون في المستقبل الرابط الإنساني والثقافي الأكثر قوة وغنى بين الضفتين.
العرب عبدالمومن محو عبدالمومن محو [نُشر في 09/08/2016،
ماريا روسا دي مادارياغا: الأدب المغربي المكتوب باللغة الأسبانية سيتطور
في المستقبل.
تبذل أسبانيا قصارى جهدها ماليا وبشريا لتعزيز لغتها في المغرب، الذي يتوفر
على ثاني أكبر شبكة لمعاهد اللغة الأسبانية في العالم بعد البرازيل، لكن مع ذلك فإنه
لا يتحدث بلغة “ثيرفانتيس” من المغاربة سوى مليون ونصف المليون شخص، في تراجع ملحوظ
عما كانت عليه في السابق، خصوصا في المناطق الشمالية التي كانت تحتلها أسبانيا، كما
خلصت إلى ذلك دراسة بعنوان “اللغة الأسبانية في المغرب”، أعدها مؤخرا الباحث الأسباني
دافيد فيرنانديز فيتوريس لصالح معهد ثيرفانتيس بالمغرب.
هنا يطرح السؤال عن الأسباب التي تجعل دولة قريبة جغرافيا من أسبانيا كالمغرب،
تضعف فيها اللغة الأسبانية بصورة كبيرة، كما عكستها دراسة دافيد فيرنانديز فيتوريس،
في الوقت الذي استطاعت فيه فرنسا أن تؤمِّن حضورا قويا للغتها، خصوصا في عالم الثقافة
والإبداع، إلى جانب مجال الإدارة ودواليب القرار السياسي الرسمي.
إن قدر لغة صاحب “دون كيخوطي دي لا مانتشا” أن تصارع طواحين الهواء، لكي
تجد لها موطئ قدم وسط السوق اللغوية والإبداعية في المغرب، خصوصا إذا علمنا أن البعض
من المختصين، على رأسهم الباحث المغربي إدريس الجبروني، والمؤرخة الأسبانية ماريا روسا
دي مادارياغا، شككوا في وجود أدب مغربي مكتوب بالأسبانية، أو في وجود أدب مغربي مكتوب
بالأسبانية رفيع المستوى، كنظيره المكتوب باللغة الفرنسية.
لقد استند الجبروني في مقال له بعنوان “مكر الأدب المغربي المكتوب بالقشتالية”،
إلى ما ذهب إليه المفكر عبدالله العروي في سياق انتقاده للأدب الفرنسي المكتوب في شمال
أفريقيا، حين اعتبره أدبا عابرا ومتحولا وظرفيا، ذا فقر في التعبير، وأنه فرع جهوي
ومحلي لثقافة يوجد مركزها في مكان آخر.
الإبداع الأدبي المغربي المكتوب بالأسبانية، كما يرى الباحث، لا مستقبل
له نظرا لطابعه ما بعد المرحلة الكولونيالية، وغياب القراء بهذه اللغة في المغرب. كما
يصفه بمكر الأدب؛ “لأنه يقوم على مقدمات وبراهين صالحة، تؤدي بنا إلى/ أو اعتماد استنتاجات
ليست صحيحة و في بعض الحالات تنتج عن أخطاء أو عن جهل، و في حالات كثيرة أخرى يلجأ
إليها عن قصد وبغايات التضليل والالتباس والخداع”.
في إطار التفاعل مع رأي الجبروني، نشرت المؤرخة الأسبانية ماريا روسا دي
مادارياغا مقالا بعنوان “هل توجد نخبة ناطقة بالأسبانية في المغرب؟”، تميز فيه بين
السياستين الاستعماريتين لفرنسا وأسبانيا في المغرب.
وتؤكد ماريا روسا دي مادارياغا أنه في الحالة الفرنسية، تم إنتاج نصوص
أدبية رفيعة المستوى من طرف كتاب مرموقين كثر، بينما في الحالة الأسبانية في شمال المغرب،
أنتجت نصوص رديئة من طرف عدد قليل من الكتاب بالأسبانية.
وتقول المؤرخة الأسبانية “الأدب الحقيقي المغربي المكتوب باللغة الأسبانية
سيتطور في المستقبل، ولن يكون نتاج إرث مرحلة ما بعد الاستعمار، بل سيظهر أدب مغربي
جديد وأصيل بين أبناء الجالية المغربية المهاجرة في أسبانيا، الذين سيكونون في المستقبل
الرابط الإنساني والثقافي الأكثر قوة وغنى بين الضفتين”.